على هامش عرض الفيلم الوثائقي “المغرب وحركات التحرر الإفريقي” بالمهرجان الدولي للسينما بطنجة، استضافت جريدة “أنفاس بريس” مخرج الفيلم حسن البوهروتي، وذلك لتقريب القراء من مضمون هذا العمل/الوثيقة التاريخية، ومن مساره الحافل بالعطاء دفاعا عن ملف الصحراء المغربية بالمحافل الدولية. فكان معه الحوار التالي: كيف بدأت إرهاصات الاهتمام بإنجاز أفلام وثائقية للترافع حول قضية الصحراء
على هامش عرض الفيلم الوثائقي “المغرب وحركات التحرر الإفريقي” بالمهرجان الدولي للسينما بطنجة، استضافت جريدة “أنفاس بريس” مخرج الفيلم حسن البوهروتي، وذلك لتقريب القراء من مضمون هذا العمل/الوثيقة التاريخية، ومن مساره الحافل بالعطاء دفاعا عن ملف الصحراء المغربية بالمحافل الدولية. فكان معه الحوار التالي:
كيف بدأت إرهاصات الاهتمام بإنجاز أفلام وثائقية للترافع حول قضية الصحراء المغربية في المحافل الدولية؟
كنت أشتغل في تسعينيات القرن الماضي في شركة إعلامية للسمعي البصري في بلجيكا، وكانت لنا علاقات وعقود عمل مع الاتحاد الأوروبي أو ما يسمى آنذاك باللجنة الأوروبية، حيث كنا نقوم بتغطية أحداث وننجز قصصا إعلامية حول ما يجري في أروقة الإتحاد الأوروبي.
في هذا السياق، اكتشفت مدى تغلغل أبواق “البوليساريو” بمساندة الإعلام الجزائري، حيث كانوا يسجلون حضروهم الدائم ويغطون أنشطتهم بشتى الوسائل المتاحة بما فيها الكذب، مقابل غياب الإعلام المغربي لمواجهة هذا التضليل، خصوصا أننا كنا نقرأ ذلك في منابر وجرائد الإعلام الجزائري مثل ( المساء الجزائرية أو الوطن الجزائرية…). وبحكم أننا نشتغل في وكالة دولية، كنت أسجل وألاحظ أن بعض أنشطتهم تقتصر على حضور باهت (شخصين فقط)، في حين تتكلف الجرائد الجزائرية بالتطبيل والتزمير للدعاية وتضخيم عناوين كاذبة مثل (اجتماع كبير في الاتحاد الأوروبي للتنديد بالسياسة المغربية في الصحراء وكذا..)!!!
من هذا المنطلق، جاءت الفكرة للإجابة على أسئلة من قبيل: كيف يجرؤ الإعلام الجزائري على الكذب وتضليل الرأي العام؟ وكيف يستغلون أدنى حدث أو نشاط لتمرير المغالطات؟
هكذا بدأت أهتم، فسعيت جاهدا إلى التعرف كثيرا على ملف الصحراء المغربية، والبحث في المشاكل الحقيقية المرتبطة بالصراع بين المغرب والجزائر، ودول أخرى مثل ليبيا في سياقها التاريخي. وكوني أمارس مهنة المتاعب، قررت أن انطلق في مشواري، حيث تمخض عن هذه الولادة الوثائقية باكورة أعمالي سنة 2009 حول المسيرة الخضراء وهو فيلم “عودة الغصون إلى الجذور” الذي لقي اهتماما واسعا رغم تواضعه على مستوى الإمكانيات البسيطة جدا، ولكنني أعتبره وثيقة تاريخية تساعد الجيل الحالي على فهم مسار القضية الوطنية من خلال المسيرة الخضراء.
بفضل الشحنة التي منحها لي الفيلم الأول، استطعت أن أنجز في هذا السياق سنة 2013 فيلما آخر حول نشأة “البوليساريو”، حيث قمت بعرضه في الاتحاد الأوروبي، وكذلك في البرلمان البريطاني ودول عديدة، وتمت ترجمته إلى العديد من اللغات. واستطعت من خلاله أن أوضح أن “البوليساريو” ما هي إلا مجموعة من المواطنين المغاربة كانت تراودهم فكرة تحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني، حيث استغلتهم الجزائر وليبيا آنذاك لأغراض سياسية في سياق العداوة التاريخية للمملكة المغربية، وخاصة خلال نظام المغفور له الملك الحسن الثاني رحمه الله.
خلاصة القول إن كل ما ذكرت أعلاه هو الدافع الأساسي الذي جعلني أتشبث بهذا الملف والترافع عنه في المحافل الدولية، على اعتبار أن الملف شائك وصعب، ولكن تكمن حلاوته في هذه الصعوبة التي أرى أنه من الواجب علي بصفتي كصحفي وإعلامي أن أحمل سلاح الكاميرا وأطلق عيارات من نوع آخر لمواجهة خصوم الوطن وإفشال مخططاتهم.
تم عرض فيلمكم الوثائقي “المغرب وحركات التحرر الإفريقية” بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة (مسابقة الفيلم الوثائقي)، كيف تلقى الجمهور مضمون فيلمكم الوثائقي، وما هي انطباعاتكم الشخصية على مستوى رسائل الفيلم؟
قمت بإنجاز فيلمي الوثائقي “المغرب وحركات التحرر الإفريقي” سنة 2022، وفي الحقيقة اخترت هذا الموضوع لأن له علاقة غير مباشرة بقضية الصحراء المغربية، حيث دفعني الفضول بعد اكتشافي لعدة مغالطات أن أغوص وأتعمق في ملف القضية الوطنية، على الصعيد الإفريقي، وأجيب على سؤال كيف أن بعض الدول اعترفت بجمهورية الوهم “البوليساريو”، من خلال تواصلي مع خبراء ومختصين في هذا الميدان، حيث وجدت أن هناك بعض الدول، مثل أنغولا وجنوب إفريقيا وموزنبيق وغينيا بيساو والرأس الأخضر وناميبيا…هذه الدول التي دافع عليها المغرب في المحافل الدولية وقدم لها الدعم المالي والسياسي واللوجيستيكي بل فتح لهم أيضا المجال في المغرب من أجل التداريب العسكرية من أجل استقلال بلدانهم، لكن للأسف الشديد كل هذه الدول أعطت ظهرها للمغرب واعترفت بـ “البوليساريو” علما أن من بينهم اليوم من تراجع عن هذا الإعتراف ومن قلل من الهجوم على المغرب، باستثناء البعض، وخاصة جنوب إفريقيا التي مازالت تسير على نفس النهج، في هذا السياق حاولت من خلال هذا الفيلم الوثائقي أن أقرب المتلقي/المشاهد وأوضح جحود هذه الدول، حيث انتقلت إلى هذه الدول من أجل التعرف أكثر على الملف، وأن ألتقي شخصيات عايشت الفترة التاريخية وزاروا المغرب طلبا للدعم والمساندة. خصوصا الدعم الذي قدمه المغرب للجزائر على اعتبار أن الملك محمد الخامس كان الراعي الأول لجبهة التحرير الوطنية رغم الضغوطات التي كان يتلقاها من طرف فرنسا، فضلا عن الملك الحسن الثاني، بحكم أنهما لم يتقبلا التخلي عن مبدأ دعم الجزائر (قضية استقلال الجزائر هي قضية مغربية).
ورغم تنكر النظام الجزائري، فقد حاولت من خلال الفيلم أن أبيّن الحقيقة التاريخية التي لا يمكن الكذب عليها، وذلك من خلال وثائقها وشهود عصرها.
تم عرض هذا الفيلم بالمهرجان السينمائي الدولي بطنجة يوم 3 نونبر 2023، ولقي استحسانا كبيرا من لدن الجمهور بل هناك بعض المخرجين والأدباء والصحافيين والمهتمين قالوا بأنهم لم يكونوا على علم بهذه المعطيات التي وردت في الفيلم الذي اعتمد على الحقائق التاريخية بالوثائق والمستندات والأدلة إلى جانب شهادات من عايشوا تلك الفترة التاريخية.
اعتبر الفيلم وثيقة تاريخية لخصت مدة قرنين من الزمن، بدأ من مؤتمر برلين 1884 حول تقسيم إفريقيا، مرورا بالحروب التي قامت بها الدول الإفريقية من أجل التحرر، وكيف قام المغرب بعد الاستقلال بتبني هذه الحركات التحررية الإفريقية، وقدم لها كل الدعم والمساندة (المال وجوازات السفر والدفاع عنها في المحافل الدولية…) وكيف كان دائما وراء الضعفاء، وقد تناول الفيلم أيضا سياسة الملك محمد السادس تجاه إفريقيا، وكيفية عودته إلى العائلة الإفريقية منذ 2017 (إرجاع كرسي الإتحاد الإفريقي). وأتمنى أن أعرض هذا الفيلم في دول إفريقية أخرى مثل جنوب إفريقيا وأنغولا.
من جهة أخرى لابد أن أشير إلى أن فيلم “المغرب وحركات التحرر الإفريقي” يعتبر بالنسبة لي من أعز أعمالي الوثائقية التي قمت بإنجازها، وله مكانة خاصة في قلبي لعدة أسباب، بحكم أن عمل “المونتاج” تم في ظروف جد صعبة بعد أن أصابني وباء “كورونا” في تلك اللحظة، وقضيت بسببه 6 أشهر في المستشفى تحت الرعاية الطبية، حيث كتب لهذا الفيلم أن يرى النور وأنا في فترة نقاهة. كما أن مكانته تكمن في الرسالة الملكية التي توصلت بها بعد عرضه، حيث كانت محفزا قويا من أجل الاستمرارة في عملي هذا.
بعد هذه الأعمال حول القضية الوطنية “هوية جبهة” و “عودة الجذور إلى الأغصان” و “المغرب وحركات التحرر الإفريقية” وباعتباركم سفيرا إعلاميا على مستوى صناعة الفيلم الوثائقي ما هو جديد أعمالكم المستقبلية؟
لا يمكن أن أنصب واعتبر نفسي سفيرا للقضية الوطنية، وإنما “سفيرا” بصفتي مواطنا مغربيا يحب وطنه، ويود أن يسمع الأخبار الجميلة عن بلده، اعتقد أنه بحكم مهنتي والعمل الذي أقوم به أقدر على المساهمة في التعريف بتاريخ المغرب الحافل والغني. عبد ربه غيور على بلده المغرب، لذلك أقوم بهذا العمل الذي أقدم من خلاله أفلاما وثائقية بنفحة الحقائق التاريخية، بعيدا عن البروباغندا وأساليب الكذب.
ما هي نوع المشاكل التي تعترض العمل على إنجاز أفلام وثائقية ذات الصلة بالقضية الوطنية؟
أول مشكل يعترضني في هذا العمل هو مشكل الدعم، لأنه في غياب الدعم الحقيقي للدولة لا يمكن أن تشتغل على مثل هذه الأفلام، مما جعلني ألتجئ إلى بعض المؤسسات والشركات وبعض الوزارات من أجل تحقيق هذا الهدف. حقيقة “قاتل” من أجل الحصول على الدعم، ولا أنكر أن هناك بعض الاستجابة، خاصة بعض عرض أعمالي الوثائقية.
مشكل آخر لا يقل أهمية عن الدعم وهو ما يتعلق بالأرشيف والوثائق على اعتبار أنني مازلت أعاني منه شخصيا، حيث يُفرَضُ علي الذهاب إلى بعض المؤسسات في الخارج للحصول على الأرشيف، وخاصة في فرنسا وإسبانيا. في هذا السياق دخلت مؤسسة المندوبية السامية لأعضاء المقاومة على الخط، حيث حصلت على أرشيف مهم من فرنسا استثمره حاليا في بعض أعمالي، فضلا عن وزارة الخارجية المغربية.
الملاحظة الأساسية هو أننا لا نتوفر على مؤسسة خاصة بالأرشيف والوثائق ذات الصلة والتي يمكن اللجوء إليها. فضلا عن أن المؤسسات الإفريقية التي تحتفظ بالأرشيف يصعبةجدا الوصول إليها، مما يجعلني استعين بالصبر والتحمل لإنجاز أفلامي الوثائقية. وقد ألتجئ في بعض الأحيان إلى استعمال صور ذات دلالة تاريخية لكنها تكون رديئة، على اعتبار أن الفيلم يستوجب تقديم قرائن ودلائل تاريخية. من هنا لجأت أيضا إلى الاعتماد على شهادات حية أو حوارات أشخاص عايشوا تلك الفترات التاريخية.
كيف يمكن لنا أن نستثمر المجال الفني والإبداعي (مسرح وسينما وموسيقى وغناء …) لدعم الجانب الديبلوماسي والعسكري في قضية الصحراء المغربية؟
طبعا، لا يمكن أن ندافع عن قضايانا الوطنية بالسياسية فقط، لذلك فالفن يلعب دورا مهما ويجب استثماره لتمرير الرسائل، وتحصين الهوية، فأمريكا مثلا في جميع الأفلام يتم تمرير رسالة عظمة أمريكا من أجل صناعة تاريخهم، ليس هناك فيلم أمريكيا تغيب فيه صورة العلم الأمريكي، والتركيز على جمالية وروعة التصوير وتقنياته الفنية المبهرة. طبعا هذا العمل يتطلب إمكانيات هائلة في الصناعة السينمائية. وهذا ينسحب على جميع الفنون والثقافات من تراث وغناء ورقص وموسيقى لإيصال الرسائل على اعتبار أن الصراع اليوم مع النظام الجزائري يتطلب من كل مغربي أينما حل وارتحل أن يتحلى بقين الوطنية الصادقة للترافع عن وطنه.
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *